كتب - مؤمن المحمدي
أول كل شهر، الدولة بتدفع لكل "صحفي" مبلغ ما، أعتقد وصل 900 جنيه. مقابل إيه؟ من غير مقابل، كده، اسمه الرسمي "بدل تكنولوجيا" أو شيء من هذا القبيل، لكنه في الحقيقة كده، أو زي ما بيقولوا بدل ما حد تاني ياخدهم. من حق حضرتك تسأل: وإيشمعنى الصحفيين؟ليه مش بيدفعوا للدكتور أو المهندس أو المحامي أو السباك أو مندوب المبيعات أو ساعي البريد أو المدرس أو الفكهاني أو محصل النور أو العامل على مصارف الزكاة؟
لكن ده مش موضوعنا، في الآخر ده رزق، والنفسنة مش كويسة للصحة.
خلينا نسأل: يعني إيه صحفي؟
الصحفي بالنسبة للدولة هو عضو نقابة الصحفيين، يعني لو حضرتك مش عضو في النقابة مش هتاخد البدل، ولا حتى هتعترف بيك صحفي، ولا هتكتب لك في البطاقة والباسبور إنك صحفي، ولو اتمسكت وإنت بتغطي حدث ممكن تتحبس لأنك منتحل صفة صحفي.
كويس، ما تبقى عضو في النقابة.
لأ سيادتك، ما هي عضوية النقابة دي مش بالساهل، مش زي نقابة المحامين أي خريج حقوق ياخد عضوية النقابة، ولا زي نقابة السواقين بمجرد ما تطلع رخصة إنت عضو في النقابة، لأ، عضوية نقابة الصحفيين، مرتبطة بـ"التعيين".
يعني إيه "التعيين"؟
يعني إن صاحب الجرنان ورئيس التحرير يقرروا إنك صحفي، وتستحق التعيين، وإنهم يبعتوا ورقك النقابة.
وهو الواحد ممكن يشتغل من غير ما يتعين؟
القاعدة إن الواحد يشتغل من غير ما يتعين، يشتغل سنين، أغلبها من غير فلوس، أو بفلوس قلتها أحسن، لحد رئيس التحرير ما يحن عليه، وكمان لازم تحافظ على علاقتك برئيس التحرير جيدة، ولازم تصبر، وتمشي جنب الحيط. اتعين وبعدين اعمل اللي إنت عايزه.
لو طلعنا قايمة أعضاء نقابة الصحفيين، اللي هم عشرة في المية من الصحفيين، ممكن نعمل ملاحم، أصلا فيه روايات اتعملت واتنشرت عن قصة التعيين دي، وازاي بتأثر في مصاير ناس كتير.
حتى بعد التعيين، بتفضل تحت رحمة جرنانك سنتين لأنك مسجل في النقابة تحت التمرين، وعقدك بيتيحلهم يفصلوك في الوقت ده، وحتى بعد السنتين جرايد كتير بتمضيك استيمارة ستة، أو تحط في العقد بنود تتيح لها فصلك.
والنقابة ما بتعملكش أي حاجة، بالعكس النقابة بتطلب من الجرنان يقلل عدد الصحفيين اللي بيعينهم قدر الإمكان، وبتخلي القيد في النقابة في مواعيد محدودة.
في المقابل، لو جبنا قايمة أعضاء النقابة، اللي هم أقل من 10 آلاف صحفي، هنلاقي عدد لا بأس به مش صحفيين، أخو رئيس التحرير، مرات أخو رئيس التحرير، صديق رئيس التحرير، صديقة رئيس التحرير، رفيقة رئيس التحرير، أخو رفيقة رئيس التحرير، .... إلخ إلخ.
طب وفيها إيه؟ ما هي البلد كلها ماشية كده.
في الحقيقة، الواحد مش كاتب كل ده للهجوم على النقابة، ولا على أعضائها، خصوصا إن فعلا فيه أعضاء كتير غلابة، والبدل ده هو كل مصدر دخلهم تقريبا، أو على الأقل بيسندهم في الظروف المهببة اللي عايشينها.
أنا بس عايز أتكلم عن كتير من الأشاوس اللي حضرتك بتقرالهم، فتحس إن المواطن مش هينام غير لما يرضي ضميره، ويقول لنا إيه الصح وإيه الغلط، ويقول للغولة عينك حمرا، ولا يخشى في الحق لومة لائم، كتير من دول على علم تام، قبل الثورة وبعدها، بكل المرمطة والمظالم والفساد الناتج عن الوضع المقلوب ده.
كتير منهم عارفين إن النقابة اللي المفروض بتحمي الصحفي من الدولة ومن صاحب العمل، أصلا هي اللي بتسلم الجماعة الصحفية لقبضة ملاك الصحف.
كتير منهم شاف بعينه صحفيين صغار بيندبحوا، وعيشهم بيتقطع، وبيتشردوا، لأن رئيس التحرير أو رئيس مجلس الإدارة غضبان عليهم، أو لأنه مفيش مكان بعد ما عينوا قرايب رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.
كتير منهم بيتكلم في الغرف المغلقة عن فساد الوضع وانعدام المعايير، وبيحكوا نوادر وأساطير عن الصحفيين اللي انتخبوا مرشح النظام أيام مبارك لأنه زود البدل 80 جنيه (تمن كيلو لحمة)
كتير منهم عارف كل حاجة، بس عمره ما فتح بقه. علشان ما يخسرش فلان أو ما يصطدمش بعلان، أو لأن دي معارك مش بتجيب لايكات ولا بتلم فولورز.
كتير منهم عارف كل حاجة، بس عمره ما فتح بقه، لاقتناعه بأن الوضع ده مش هيتصلح، وإن البلد دي كده، وهتفضل طول عمرها كده.
كتير منهم عارف كل حاجة، بس شايف إننا لازم نكون واقعيين، وإحنا يعني لو فتحنا الملفات دي هيحصل إيه غير إلغاء البدل لصحفيين بسطاء؟
طيب يا باشا، واستقلال إرادة الصحفيين، واستقلال السلطة الرابعة، والعدل والحق والخير والجمال؟
يا راجل كبر مخك (مع ابتسامة ساخرة خفيفة)قصة البدل دي واحدة من عشرات قصص الفساد اللي كل الناس عارفاها، بس محدش بيتكلم، إلا من رحم ربي، والغريب إنه غالبا اللي بيتكلم وبياخد موقف واضح على أرض الواقع مش من المشهورين بالصوت العالي في السياسة، اللي مش بيناموا الليل من ضميرهم!
وسلم لي على جوزك يا إسماعيل بيه
Posted in: آخر الأخبار,رأي

0 التعليقات:
إرسال تعليق